لقد آن الأوان، إذ ينبغي على الولايات المتحدة أن تعترف بدولة فلسطين وتنضم إلى البلدان الـ139 الأخرى التي فعلت ذلك. وينبغي على الرئيس بايدن، الذي يمتلك سلطة منح الاعتراف، أن يصنع التاريخ، وبذلك يحافظ على إمكانية حل الدولتين للإسرائيليين والفلسطينيين. فمنذ عقود ورؤساء الولايات المتحدة يلوّحون باحتمال قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل. ولكن بالنسبة للفلسطينيين، كان الاعتراف الأميركي مجرد سراب. وفي الأثناء، عملت الحكومة الإسرائيلية على تقويض قيام الدولة الفلسطينية عملياً عبر إضعاف السلطة الفلسطينية وتعزيز الانقسامات العميقة بين الشعب الفلسطيني.
والواقع أن اعتراف الولايات المتحدة بفلسطين سيكون معقولاً دبلوماسياً وسياسياً الآن، ولا سيما أن فريق بايدن المكلف بشؤون الأمن القومي يعمل على اجتراح خطة لغزة بعد الحرب التي أشعل شرارتها هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر. فقد أدى الغزو الإسرائيلي الذي أعقب ذلك إلى مقتل آلاف الفلسطينيين وتدمير المنطقة. وهذا الأسبوع، قال الرئيس بايدن إن الدعم الدولي لإسرائيل يتآكل بسبب «قصفها العشوائي» لغزة.
وهناك 4 فوائد رئيسية للاعتراف. فأولاً، من شأن الاعتراف الأميركي بفلسطين أن يبرهن للشعب الفلسطيني أن الولايات المتحدة عمدت أخيراً إلى إقران حديثها عن السلام بإجراءات وتدابير حقيقية، ولا سيما بعد استخدام الولايات المتحدة حق «الفيتو» الأسبوع الماضي ضد قرار مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار وموافقتها على مبيعات عسكرية طارئة لإسرائيل قبل إشعار الكونجرس بذلك، وكلاهما يشيران إلى استمرار الدعم لأهداف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحربية.
ثم إن بايدن يستطيع بذلك تحقيق تكافؤ الفرص على الصعيد الدبلوماسي. ذلك أن اعتراف الولايات المتحدة بوضع الدولة من شأنه إضفاء شرعية وطنية على الشعب الفلسطيني، الذي سيدرك حينها أن نضاله الذي بدأ قبل 75 عاماً من أجل الاستقلال قد حظي بقبول أقرب حليف لإسرائيل وزعيم العالم الحر. وعلى المستوى العملي، من شأن تعيين سفير أميركي ضمان أن يكون للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة خط اتصال مباشر مع الرئيس ووزير الخارجية.
وثانياً، من شأن اعتراف الولايات المتحدة بفلسطين تقويض طموحات «حماس» في إنشاء دولة إسلامية «من النهر إلى البحر». إذ يبدو أن «حماس» غير مهتمة بالحكم أو بناء اقتصاد حديث أو ربط الشعب الفلسطيني بمجتمع الأمم، وما زال هدفها هو تدمير إسرائيل. كما أن من شأن اعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطينية أن يعزّز رأس المال السياسي لخصم «حماس»، السلطة الفلسطينية، والمجتمع المدني، ومجتمع الأعمال، وأولئك المستعدين للعيش بسلام مع إسرائيل.
وثالثاً، من شأن الاعتراف أن يبعث برسالة قوية تندّد بإدارة نتنياهو، التي فعلت كل ما في وسعها لتحجيم السلطة الفلسطينية، وتتغاضى عن عنف المستوطنين، وتضر بآفاق حل الدولتين.
صحيح أن المعارضين قد يشيرون إلى حجة الخطر الأخلاقي: لماذا على واشنطن أن تكافئ الفلسطينيين على سلوكهم السيء؟ والحال أنه من خلال الاعتراف بفلسطين، ستُثبت الإدارة الأميركية أنها لا تنظر إلى كل الفلسطينيين باعتبارهم متعاطفين مع «حماس». فوفقاً لاستطلاعات للرأي العام أجريت قبل السابع من أكتوبر، فإن أغلبية الفلسطينيين يفضّلون العيش في بلد مستقل يعيش بسلام مع إسرائيل. ولا شك أن من شأن سياسة أميركية داعمة لهذه الرغبة، بما في ذلك التزامات بالمساعدة في إعادة بناء غزة وتحسين نوعية الحياة هناك، أن تحفّز السكان لاختيار قادة جدد يسعون إلى تحقيق حلم الاستقلال الفلسطيني الذي أجِّل طويلاً.
ثم إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ستكون له فائدة سياسية داخلية لبايدن. إذ من شأنه أن يساعد على حشد بعض أعضاء قاعدته السياسية حوله. ذلك أن التقدميين والعديد من الأميركيين المسلمين يشعرون بخيبة أمل كبيرة من سياسات هذه الإدارة في غزة لدرجة أنهم بدأوا جهوداً لهزم الرئيس في 6 ولايات حاسمة -- حتى وإن أدى ذلك إلى فوز دونالد ترامب بانتخابات 2024.
وإذا كان بعض مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة يعارضون إقامة دولة فلسطينية، فإن كثيرين آخرين سيرحّبون بالجهود الأميركية الرامية إلى حثّ إسرائيل على الاعتراف بأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للتقدم نحو السلام. كما أن زيادة الدعم «الديمقراطي» في الولايات الحاسمة عبر الاعتراف بدولة فلسطين يمكن أن يؤدي إلى فوز داخلي لبايدن.
بيد أن إقامة الدولة الفلسطينية لن تأتي بالمجان. ذلك أن إسرائيل في حاجة إلى أن تدمر بنية «حماس» التحتية بشكل مهم وتنحي قيادتها العليا. وبعد ذلك، سيتعين على إدارة بايدن أن توضح وجهة نظرها بشأن غزة في مرحلة ما بعد «حماس»، والتي ستعالج تخوفات إسرائيل الأمنية. وهنا ينبغي على الرئيس إقران اعتراف الولايات المتحدة بفلسطين بإعادة التأكيد على الشراكة الأمريكية-الإسرائيلية، بما في ذلك الالتزام بتعزيز قدرة إسرائيل على حماية نفسها.
ولكن لنكن واضحين. إن الاعتراف الأميركي بفلسطين لن يخلق السلام في الشرق الأوسط، وإنما سيعزز آفاق حل الدولتين لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وسيظل كلا الطرفين في حاجة إلى التفاوض على حلول عادلة ومنصفة للحدود والأمن واللاجئين ووضع القدس والمياه والعلاقات الاقتصادية المستقبلية. غير أن اعترافاً أميركياً بدولة فلسطينية والتزاماً طويل الأمد بأمن إسرائيل من شأنه أن يمثّل خطوة كبيرة نحو بناء مستقبل يستطيع فيه الشعبان العيش معاً بسلام.
آر ديفيد هاردن
مدير مساعد سابق في مكتب «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» مكلف بالديمقراطية والنزاعات والمساعدات الإنسانية، ومدير سابق لبعثة «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، ومستشار سابق لمبعوث الرئيس باراك أوباما الخاص للسلام في الشرق الأوسط
لاري جاربر
مسؤول كبير سابق مكلف بالسياسات في «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» خلال إدارتي كلينتون وأوباما، عملا مديراً لبعثة «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» في الضفة الغربية وغزة ومراقباً للانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية الفلسطينية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»